لا تختلف عقيدة الشيعة في الإمام المهدي كثيراً عما أجمع عليه المسلمون، وملخصه أن رجلاً من عترة المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، اسمه محمد، يظهر في آخر الزمان، فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، كما ملئة ظلماً وجوراً، وهذا الرجل هو المهدي ، وهو القائم، وهو المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وقد أجمعت الروايات الواردة في كتب إخواننا من السنة أن المهديّ من أهل بيت رسول الله، وأنه من ولد فاطمة، وذكرت بعض رواياتهم أنه من ولد الحسين، فقد جاء عن أحمد بن حنبل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لابنه الحسين: (من صلبك تاسعهم قائمهم)، وانفرد أبو داوود بعبارة (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)، فهو على هذه الرواية محمد بن عبد الله، بينما أجمعت روايات الشيعة، على أن اسمه محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه السلام.
وتمسّك السنة بهذه الرواية المنفردة عن أبي داوود، وتمسّك الشيعة بما أجمعت عليه روايات أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأهل البيت أدرى بالذي فيه، وهذه هي نقطة الخلاف الأولى بين السنة والشيعة، وأما النقطة الثانية، فهي اعتقاد الشيعة أن الإمام المهدي قد وُلِدَ وغاب وسيظهر، بينما أنكر السنة ولادته وغيبته، وقالوا أنه سيولد في آخر الزمان، ونقطتا الخلاف هاتان، لا يترتب عليهما بالنسبة إلى إخواننا السنة أي إشكال، سوى استغرابهم أن يكون قد وُلد وعاش هذه المدة الطويلة حتى الآن، وإلى وقت ظهوره المجهول، هذا الاستغراب الذي لا يقوم على أي أساس من العقل ولا من النقل.
على أن العمر الطويل ليس بمستحيل عقلاً، والبشرية جادة في البحث عن سبل إطالة الأعمار، وما هو مستغرب ومستبعد اليوم، قد يصبح واقعاً غداً، كما أن الغيبة ليست مستغربة كذلك، فكم غيبت الظروف السياسية والأحوال المعيشية، عن ساحة الظهور بين الناس إلى حين، أشخاصاً يعرفونهم حق المعرفة، ويعرفون سبب غيبتهم واختفائهم وتواريهم عن الأنظار.
والأهم من ذلك أن هذين الأمرين، ليسا غريبين على ذهنية المسلمين، بعد أن حكى لنا القرآن الكريم قصص المعمِّرين، مثل أهل الكهف ونوحٍ عليه السلام، وقصص من رفعهم الله إليه، كإدريس وعيسى بن مريم عليهم السلام، والغائبين الحاضرين المختفين عن الأنظار كالخضر (عليه السلام).
وسواء أكان أمر هؤلاء طبيعياً كما في حالة نوح (عليه السلام)، أو معجزاً كما في حالتي عيسى والخضر عليهما السلام، فيبقى الأمر في دائرة الإمكان الطبيعي أو الإعجازي، فما المانع أن يتكرر هذا الحال في أمر الإمام المهدي (عليه السلام)؟.
على أن للشيعة دليلاً ظاهراً أكثر وضوحاً مما تقدم، لأنه قد يقال: ما كل ممكنٍ يقع، وما حصل مع واحد ليس بالضرورة أن يتكرر مع آخر، ونقول نعم، هذا صحيح لا غبار عليه، ونحن أيضاً لا نقبل تكرار إلاّ مادلّ عليه دليل، فلا نقول بوقوع ممكن حتى يدلَّ دليل على وقوعه، وهذا من المسلّمات البديهية لدينا، بل من ضروريات عقيدتنا بالمهدي ذاته، حتى لا يدّعيَ المهدية كل من هبّ ودبّ على ظهر هذه الأرض، والأدعياء كُثُرٌ لا حصر لهم.
الكاتب احمد الجنابي